دلالات الألوان عند الأطفال

هل سالت نفسك مسبقا ماعلاقة تعامل الأطفال مع الألوان المختلفة وكيف تعكس اهتمامات الأطفال بالألوان على شخصيتهم؟ سنضيء في هذه المقالة على علاقة الألوان مع سلوك الأطفال من وجهة نظر علم النفس

دلالات الألوان عند الأطفال

الألوان أدوات تعبير عند الأطفال

لكل طفل لونه الذي يرسم من خلاله إيقاعه الداخلي بخصوصيته المميزة، فهو يستخدم اللون كوسيلة قوية للتعبير عن الذات، ليصف من خلاله الحالات الشخصية العميقة التي يمر بها، ما يعطي للون معنىً نفسياً لا جدال حوله، يتجلى في وجود توازن بين دور اللون ودور الانفعالية، فهاهم الأطفال الصغار من سن الثالثة وحتى السادسة تقريباً يهتمون باللون على حساب اهتمامهم بالشكل، وقد يفضّل بعضهم الألوان الكثيفة والحارة “كالأحمر والبرتقالي”، كما نجد أن بعض الأطفال أقل تمييزاً بين الألوان لأسباب تتعلق بمستوى تطورهم، فغالباً ما يخلط الطفل في سن السادسة مابين “الأزرق والبنفسجي” كما قد يخلط بين “الأحمر والبرتقالي”

الأطفال المنطوين على أنفسهم لا يحبون الألوان المتعددة

وقد نجد أطفالاً يغيب اللون من رسوماتهم أو من أجزاء منها، ولهذا دلالات مهمة تحتاج إلى دراسة وتدقيق ومتابعة، فها هي ألوان خمسة على الأقل تظهر عند الأطفال المتكيفين مع مجتمعاتهم، بينما نجد الأطفال الأقل تكيفاً أو المنطوين على ذواتهم ولا يرغبون بالعلاقات مع العالم الخارجي يكتفون بلون أو اثنين فقط في رسوماتهم، لكن بنفس الوقت قد يأخذ استخدام اللون الواحد معنىً مهماً في مراحل عمرية معينة قد يدل على عدم اهتمام الطفل باستبدال اللون الذي اختاره لمجرد أنه مستغرق في أفكاره الذاتية.

الألوان المتعددة عند الأطفال تكشف شخصية الطفل

وفي حالات أخرى قد نجد الطفل في عمر مبكر لا يهتم بالعلاقات بين ألوان عناصره وارتباطها بألوان الواقع، لأن سعادته الحقيقية تقتصر على استعمال الألوان بحد ذاتها، ويتجلى ذلك خصوصاً في مرحلة الخربشة، لأن التجربة مرتبطة أصلاً بالنشاط، والألوان هنا تلعب دوراً هامشياً، فهو يتسلى بها؛ وهي بدورها تحرضه على الاكتشاف فنجده يستعمل اللون متأثراً بانفعالاته، فيرسم حقلاً بنفسجياً لأنه يحب اللون البنفسجي ويرسم السماء خضراء لأن اللون الأخضر يستهويه.

العلاقات بين الأشياء وتعدد الألوان

سيكبر طفلنا ويكتشف بالتدريج العلاقات بين الأشياء وألوانها بعد أن كانت تقتصر على دلالات تحمل قيماً انفعالية حين كان يرسم كل النساء شقراوات لأن أمه شقراء ليصبح اللون الأشقر خزاناً للحالات الانفعالية والعاطفية، وليكتشف مع مرور الوقت عدداً أكبر من العلاقات، فليست كل الأمهات شقراوات لكن أمه هي الشقراء، وليثبت في ذاكرته أن لون الحقول وأوراق الأشجار خضراء، وسيستمر في رسمها باللون الأخضر حتى لو كان الوقت خريفاً ولون أوراق الأشجار أصفر أو برتقالياً، وذلك لأنه رآه أول مرة أخضر فترسّخ في ذهنه حتى يختبر تجربة أخرى يتعلّم من خلالها أن لون الحقول قد تكون متنوعة ومختلفة عن اللون الأخضر وهذا مايحدث غالباً مابين سن الحادية عشرة والثانية عشرة، وعلينا ككبار أن ندعه يصل بنفسه لهذه النتيجة دون أن نضغط عليه ليصل إلى هذه النظرة الواقعية بشكل مبكر، لأن استعمال اللون لا يدل على عوامل نضج ثقافي فحسب بل على عوامل انفعالية ونفسية عميقة، وإن اعتبار مظاهر اللون غير الواقعية أخطاء في رسوم أطفالنا لا يعني الكثير حين نصل إلى تلك النتيجة التي تركز على أن اللون الذي يستعمله الطفل ليدل على انطباعاته الذاتية هو لون ذو قيمة أكثر بكثير من اللون الذي يدل تماماً على الواقع.

دوائر الألوان عند الأطفال

إنها فسحة حرية لابد لنا أن نوفرها لطفلنا في علاقته مع الألوان، واكتشاف صلاتها بالأشياء من حوله، ليستطيع التعبير على نحو مستقل، وبعلاقة فردية مع اللون، تقوم على تجاربه الخاصة لا علاقة لها بتجاربنا نحن ككبار، ومع أن هناك قواعد مختلفة يستعملها عادة بعض الفنانين لتعليم اللون بواسطة استخدام دوائر الألوان وغيرها من الأساليب الأخرى، غير أنه وفي مراحل معينة من نمو الطفل علينا أن نكون حذرين من فرض هذه المعلومات فرضاً، فالطفل قد لا يدرك أهمية هذه التقنيات اللونية بعد، بل قد يؤدي تعلّمها إلى تعطيل ميله العفوي تجاه الألوان، فلنترك له فسحة زمنية كي تنضج علاقته الشخصية باللون، فلا تتشوه أصالة عالمه اللوني الساحر.

دلالات الألوان عند الأطفال من وجهة علم النفس

ولا بد لنا من التنويه إلى أن استخدام اللون بشكل عام، قد يكون بأسلوبين، أولهما موضوعي واقعي يجعل لون البحر أزرق ولون الشمس أصفر كما يجدهما في الطبيعة، والثاني لاشعوري، ولا قاعدة ثابتة له، ويدل دلالة كبرى على تفكير الرسام وشخصيته، ولاستخدام هذا الأسلوب لابد أن يكون الرسام حراً بالمطلق كما هو حال الطفل ليكون اللون وسيلة تعبيرية مهمة وصلة وصل بين الأفكار والأحاسيس، تتجلى بأبهى الصور وأطرفها، لنجد أن لكل لون معنىً خاصاً يرتبط بتأثيرات ٍثقافيةٍ وعوامل نفسية وفيزيولوجية ليختلف في بعض الأحيان معنى ورمزية الألوان باختلاف النظام الثقافي والاجتماعي، وليأخذ اللون نفسه معاني جديدة، فالأسود في بعض الثقافات هو لون الحزن بينما في بعضها الآخر يدل على الفرح، والأحمر في بعض البلدان هو لون القوة والدم، وفي بعضها الآخر هو رمز الحب بينما في اليابان يدل على الخبث..الخ.

فلندع أطفالنا يختارون ألوانهم المحببة والتي تعبر عما يمرون به من أحداث وانفعالات، ولنأخذ دور المساند والداعم لهم في كل خط وكل لون يضعونه على الورقة، ولنصغ من خلال ذلك إلى حكاياتهم الجميلة… وأية حكايات.